عادة ما تكون سماء حلب ملأى بالطائرات الحربية والروسية التي تقصف أهدافاً في المدينة وأريافها، وأرضها مكتظة بالمقاتلين الذين ينتمون إلى جبهات مختلفة، لكن وعلى الرغم من الدمار الذي ألحق بالمدينة، والذي وصفته هيئة "الصليب الأحمر" بأكثر الصراعات تدميراً في التاريخ الحديث"، إلا أن القتال والقصف والتدمير ما زالوا مستمرين إلى الآن.
استراتيجية وأهمية تؤرق النظام
على الرغم من أن مدينة حلب وريفها قد تحولوا بفعل قصف نظام الأسد منذ عام 2011، ثم القصف الروسي مؤخراً، إلى كومة من الخراب، إلا أنها تمثل ركناُ هاماً من الإستراتيجية الروسية في سوريا، فإن حلب تمثل أهم المراكز الحضرية في البلاد بعد العاصمة دمشق، ما يجعل السيطرة عليها مهم بالنسبة للنظام، بالإضافة إلى تأمين دولة روسية مصغرة يسيطر عليها الأسد في سوريا، ومن الممكن أن تكون معقلاً للهجمات التي تهدف إلى السيطرة على باقي المحافظات السورية.
فيما أن استراتيجية النظام في الوقت الحالي لا تعمد إلى السيطرة على الأراضي بشكل متصل بقدر ما تهدف إلى عزل الثوار في جبوي صغيرة يسهل التعامل معها لاحقا، وقطع خطوط إمداداتها وعلى الأخص مع تركيا، وهذا ما يفسر التركيز نحو حلب بدلاً من إدلب أو حماة، فمن المؤكد أن السيطرة على حلب بالنسبة للثوار بمثابة جسر يربطها بمدينة إدلب ويوفر طريق إمدادات مباشر من تركيا، وسيضغط القوات النظامية لتتراجع إلى العاصمة دمشق، وهو ما يمثل انتصارا حربيا وسياسيا لكتائب الثوار.
أما بالنسبة لنظام الأسد، فأن السيطرة على المدينة بالكامل سيسمح للقوات بالتقدم نحو إدلب وخنق الثوار، يقول "عمر الشمالي" وهو ناشط إعلامي مقرب من درع الفرات لشبكة دراية: " حلب العاصمة الإقتصادية لسورية، وأهلها يملكون خبرات قوية في الإقتصاد، مما جعل مدينة حلب تتميز عن باقي المحافظات بقوة إقتصادها، وبعد اندلاع الثورة السورية أصبحت معدومة إقتصادياً نتيجة القصف المتكرر وخاصة في الآونة الأخيرة"، ويتابع الشمالي، نتيجة استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من النابالم والفوسفوري وأخيراً القنابل الإرتجاجية، وأصبحت حلب أطلال مدمرة، وبعد الحصار وخاصة الأحياء الشرقية التي تقع تحت سيطرة الثوار تعرضت لدمار كبير، وأصبحت أكوام من الخراب.
ويوضح عمر الشمالي، أن النظام يحاول جاهداً عبر الطيران الروسي إحراز نصر معنوي على حساب المدنيين في حلب بعد أن دمر حمص واستطاع أن يحتل الوعر في حمص وداريا في دمشق ويرحل السكان الأصليين، ويشير أن هدفه بإحتلال حلب هو إسكان الشيعة فيها واستكمال المدى الشيعي في محاولة لتشييع المنطقة بشكل كامل.
لكن على الرغم من أن قوات النظام تعطي الأولوية لمحاربة "الثوار" من غير "تنظيم الدولة"، إلا أن البعض يرجح أن استيلاء النظام على حلب قد يمنحه الفرصة لتحقيق انتصار رمزي ضد "تنظيم الدولة" على الأطراف الشرقية للمدينة، وهو ما قد يمنح النظام نقطة إضافية في تعزيز صورته أمام الغرب، وتكريس ثنائية الأسد أو تنظيم الدولة التي تسعى سوريا إلى تعزيزها خلال قصف سائر الثوار، وليس "تنظيم الدولة" كما تزعم.
من ناحية أخرى، فإن تحقيق الإنتصار في حلب سوف يقوي الموقف الداخلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل بلاده، في ظل الأزمة الإقتصادية وتراجع العملة المحلية، والتشكيك في جدوى الإستثمار في الحملة الروسية في سوريا.
وبعيدا عن هذه الأهمية الجغرافية، فإن المدينة الآن تقع في قلب الصراع الجيواستراتيجي الدائر في سوريا، حيث تمثل المعركة حول حلب أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الأطراف المتنازعة.
أهمية حلب بالنسبة لكتائب الثوار
من الواضح أن كتائب الثوار تفطن بشكل جيد إلى حجم الخطر الذي يمكن أن تمثله الهزيمة في حلب إذا سيطرت قوات النظام على مناطق في المدينة، ومن ناحية أخرى فإن حلب هي أحد معقلين كبيرين للثوار على الحدود الشمالية مع تركيا، والمعقل الآخر هو إدلب.
فيما تعتمد كتائب الثوار على تأمين المساعدات والإمدادات عبر تركيا إلى حلب وإدلب من خلال معبري باب السلامة وباب الهوى على الترتيب، بدوره، يقول الناشط الإعلامي في مدينة حلب "عمر عرب" لشبكة دراية الإخبارية: "حالياُ قوات النظام بعد حصار مدينة حلب الشرقية وقطع كل الطرق الإنسانية عنها، وذلك بعد قطع طريق الكاستيلوا والسيطرة على طريق الراموسة، أدى لتدهور الوضع الإقتصادي والميداني وهذه أكثر ورقة ضغط سياسية يتبعها النظام والروس، سياسة التجويع لأهلي حلب".
ويتابع عرب، مدينة حلب تعتبر إقتصادية وسياسية وفي حال سقطت في يد الثوار سوف تسقط قوة النظام في الشمال، لذلك كل التركيز العسكري عليها، والضغط الدولي الذي يساند النظام وأعوانه في كسر إرادة أهالي حلب والثوار، وبالنهاية تعتبر كلها أوهام للنظام رغم الضغط الجوي.
وأضاف عرب، أنه بالإضافة إلى بدء المعارك التي شنتها قوات النظام حتى تقوم بخنق حلب الشرقية، ولا يتمكن الثوار من استعادة زمام المبادرة فكل ما يقوم بتخطيطه النظام سوف يكسره الثوار ويكسروا الحصار عما قريب.
فيما يؤكد "عمر الشمالي" أن كتائب الثوار تحاول إفشال المخطط الإيراني في بقائهم في حلب، حيث يسيطر الثوار على أكثر من ثلث المدينة ويحاول النظام بغطاء الطيران الروسي التقدم واستطاع احتلال مخيم حندرات ومشفى الكندي بعد تمهيد من الطيران بمختلف الأسلحة والقذائف.
تقرير: مرح الشامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق