الاثنين، 20 مارس 2017

ثمن ربطة خبز...دماء سوري ودموع أم.

أعيش مع زوجي وطفلاي منذ 9 سنوات تقريباً في مدينة حمص..كان يعمل موظف في إحدى الشركات..وأنا أساعده وأعمل معلمة في مدرسة قريبة من المنزل..بقيت حياتنا روتينية إلى أن قامت الثورة وراح يقمعها النظام المجرم بكل الأساليب الوحشية..وبسبب كثرة الدمار والقتل الذي انتشر قررت أنا وزوجي أن نلتزم المنزل فلا مكان غيره يأوينا.

بقينا على هذه الحال حوالي السنتين نتساعد أنا وجاراتنا على صنع أي طعام دون الخروج من المنازل، فقد قمنا بصنع فتحات في الجدران لنسهل على أنفسنا الوصول لمنازل بعضنا دون أن نخرج إلى الحي..كنا 4 جارات ولدينا أزواج وأطفال، ولكن بتنا نشعر في تلك الفترة أن مصير الأسرة بأجمعها معلق برقابنا فلا نستطيع أن نترك رجالنا تخرج لتموت..نسمع أصوات رصاص طول الليل، ولكن لم يجرؤ أحد مننا على النظر من الباب مطلقاً.

كنا في منطقة تخضع  لسيطرة النظام، والاشتباكات كانت قائمة ليل نهار..إلى أن وصلنا إلى يوم لم نجد فيه ما نأكله..لم يبقى لدينا أي شيء..فقرر زوجي الخروج ليحضر ربطة خبز..من أي مكان تسد جوع أطفاله الذين تتوسله أعينهم أن يحضر طعام يأكل..بقينا نتشاجر طوال اليوم لكن في النهاية أقنعني أنه لا بد له من الخروج الآن أو بعد حين..وخرج.


خرج مؤمناً أن قلبه النظيف وإيمانه بأنه لن يخرج إلا ليحضر طعاماً لأطفاله..سيدفعه للعودة مهما كان الثمن، لكنه لم يحسب أن ثمن ربطة خبز سيكون يتم أطفاله وترمل زوجته.

وبقيت انتظر زوجي يوم كامل فلم يعد..يومين وثلاثة والجوع ينال من الأطفال وزوجي لم يعد..قررت الخروج والبحث عنه..ولكني تراجعت في الآونة الأخيرة فأين سأذهب؟ 

قررت في منتصف ليل أحد الأيام أن أخرج أنا وإحدى جاراتي إلى المنزل المقابل فأهله تركوه كما هو..وفعلاً في لحظة خف فيها الرصاص لبسنا الأسود وانطلقنا راجين من الله أن نجد طعام ما..وفعلاً كانت المؤونة تكفينا شهر كاملاً ورحنا ننقل ما نستطيع وأطعمنا أطفالنا..

ولكن زوجي لم يعد..!!!

شهرين ونصف وأنا لا أعرف عنه أي شيء، إلى أن طرق الباب أحد ما..وراح يصرخ هل من يفتح الباب..ولم يكن لدي خيار آخر..فتحت الباب بعد أن حملت سكين ووضعته خلف ظهري...كان ضابط ومعه 4 عناصر، قال لهم فتشوا المنزل، في البداية منعتهم لكن فيما بعد تركتهم يفتشون فلم يبقى في المنزل ما هو غال على قلبي بعد رحيل زوجي عني..

سألني: أين زوجك؟ 
أجبته أنه خرج من 3 أشهر للبحث عن خبز، قهقه ضاحكاً ساخراً..وقال لي ما اسمه، وعندما نطقت اسمه راح يضحك بشدة وبصوت مرتفع..زوجك يا سيدة مات منذ اليوم الذي خرج فيه..فقد تطاول على أسياده وكان لا بد من قص رقبته على الفور..فقد تلاسن هو وأحد العناصر على الحاجز..وراح صريعاً بعدها بوقت قصير.

لم أصدق ما أسمع..لم أكن لأصدق أبداً أن زوجي لن يعود، أن ذلك الرجل النظيف الطيب قتل على يد فراد نظام مجرم لا يخافون الله..

صرخت به اخرجوا من منزلي يا قتلة..أيديكم وعقولكم تلطخت بالدم..أيها المجرمون.

خرج ضاحكاً ساخراً وتركني مصدومة..أبكي حظي العاثر..وطفلاي الصغيرين اليتيمين...رحت أبكي حرقة قلبي..وأبكي ربطة الخبز التي خرج ليحضرها وجائني خبر مقتله بدلاً منها..ربطة خبز دفع ثمنها رجل حياته...ودفع ثمنها اطفالي وجعاً وقهراً لن ينتهي.

تقرير: ولاء عساف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق